قصة :الأميرة والعشق المستحيل

Estimated read time 0 min read
2
0

الأميرة والعشق المستحيل:
في قلب مملكة “أرجوان”، حيث تتمازج زرقة السماء بلون شفق الغروب، وتهب نسائم الجبل العليلة محملة بعبق الزهور البرية، كانت تعيش الأميرة مرام. لم تكن مرام أميرة عادية، فلم يستهوها الثوب الحريري أو القصور الفاخرة بقدر ما استهوتها حرية الخيل وعدالة السيف. كانت فتاة عنيدة، لا تعرف الانصياع إلا لقناعاتها، قوية الإرادة لا تثنيها العقبات، لكن خلف تلك القوة يكمن قلب رومانسي يتوق للعشق الحقيقي.
منذ صغرها، كانت مرام تتسلل من حراسة القصر المشددة لتتتبع الفرسان في تدريباتهم. كانت تجلس مختبئة بين الأشجار، تراقب بسحر كيفية تحركهم، ومهارتهم في استخدام السيف، وقوة قبضتهم على لجام الخيل. لكن فارسًا واحدًا خطف قلبها وعقلها: الفارس شهاب.
كان شهاب فارسًا من عامة الشعب، لكنه امتلك من الشجاعة والنبل ما يفوق أمراء الممالك. كان طويل القامة، مفتول العضلات، وعيناه تحملان لمعانًا يعكس قوة روحه. كانت مرام تراه في كل مرة يتدرب فيها، يتصبب العرق من جبينه، لكنه لا يتوقف إلا عندما يتقن حركته. كانت تتسلل عائدة إلى القصر وقلبها يخفق بقوة، تحلم بلقاء يجمعها به.
ذات يوم، بينما كانت مرام تتجول في غابات القصر، سمعت صهيل خيل عنيف. هرعت لتجد حصانًا جامحًا يركض نحو مجموعة من الأطفال يلعبون. دون تردد، قفزت مرام على أقرب فرس لها، وانطلقت خلف الحصان الهائج. وبينما كانت تحاول تشتيته، ظهر شهاب كالصاعقة، تمكن من الإمساك بلجام الحصان المذعور ببراعة فائقة، وأنقذ الأطفال من خطر محقق.
نزلت مرام عن فرسها، وقلبها يكاد يقفز من بين أضلاعها. للمرة الأولى، كانا يقفان وجهًا لوجه. نظراتهما التقت، وتبادلا ابتسامة خجولة، لم يستطع أي منهما أن ينكر شرارة انجذاب قوية. منذ ذلك اليوم، بدأت لقاءاتهما تتكرر. كانت تتسلل من القصر للقائه في أطراف الغابة، أو عند النهر الفضي الذي يشق طريقه بين التلال. كانا يتحدثان لساعات طويلة، عن أحلامهما، عن مخاوفهما، وعن حبهما للحرية.
كان شهاب مفتونًا بمرام. لم تكن مجرد أميرة جميلة، بل كانت روحًا قوية، عقلًا نيرًا، وقلبًا مليئًا بالعاطفة. كان يرى فيها رفيقًا حقيقيًا، لا مجرد ملكة ستجلس على عرش. أما مرام، فكانت تجد في شهاب كل ما تفتقده في عالم القصور المليء بالقيود. كان فارسها الذي تجرأت على أن تحلم به، حبها الذي رفضت أن يقتله الواقع.
لكن هذا الحب لم يكن سهلًا. فالعرف يمنع أميرة من الارتباط بفارس من عامة الشعب. بدأت الإشاعات تنتشر، ووصلت إلى مسامع الملك “أوزير”، والد مرام. كان الملك محبًا لابنته، لكنه كان يرى في هذا الارتباط تهديدًا لعرش المملكة. حاول إبعاد شهاب، وأمر بزيادة الحراسة حول مرام، وحبسها في غرفتها.
لكن مرام لم تكن لتستسلم. كانت عنيدة، وأكثر قوة مما يتخيلون. في إحدى الليالي، بينما كانت النجوم تتلألأ في سماء أرجوان، تمكنت مرام من الفرار. تركت رسالة لوالدها تقول فيها إنها لن تقبل بزواج لا يكون مبنيًا على الحب الحقيقي، وأنها ستتبع قلبها أينما قادها.
انطلقت مرام لتجد شهاب. كان يعلم أنها لن تستسلم، وكان ينتظرها عند النهر الفضي، المكان الذي شهد بداية حبهما. التقاها، وعانقها عناقًا طويلًا، وكأن الزمن قد توقف بين ذراعيهما. قررا أن يهربا معًا، إلى حيث لا تصلهما قيود العرف والتقاليد، إلى حيث يمكن لحبهما أن يزهر بحرية.
عاش شهاب ومرام حياة بسيطة بعيدًا عن الأضواء. بنيا منزلًا صغيرًا في قلب الغابة، بعيدًا عن أعين المتطفلين. كانت مرام تتصرف كفتاة عادية، تتعلم الطهي، وتزرع الزهور، وتستمتع بجمال الطبيعة. كان شهاب يذهب للصيد، ويعود كل مساء ليجدها تنتظره بابتسامة تضيء عالمه.
مرت الأيام والشهور، وكانا يعيشان في سعادة غامرة. كان حبهما يزداد عمقًا وقوة مع كل يوم يمر. كانت مرام قد وجدت حريتها الحقيقية في هذا الحب، وشهاب وجد في مرام شريكة حياته وروحًا تشبه روحه.

في إحدى الليالي العاصفة، بينما كان شهاب ومرام نائمين في منزلهما المتواضع، سمعا طرقًا عنيفًا على الباب. قلبهما خفق خوفًا، فقد عرفا أن هذا اليوم سيأتي لا محالة. كان جنود الملك قد عثروا عليهما.
وقف شهاب أمام مرام، درعًا واقيًا لها. أمسك بسيفه، مستعدًا للدفاع عن حبيبته حتى آخر رمق. كانت عيناه تشتعلان عزمًا، بينما ارتجفت مرام خوفًا، ليس على نفسها، بل عليه.
اندفعت مجموعة من الجنود إلى الداخل، بقيادة قائد الحرس الملكي، رجل ضخم وقاسٍ. أمر القائد بالقبض عليهما، لكن شهاب رفض الاستسلام. دار قتال عنيف في كوخهما الصغير. كان شهاب يقاتل ببراعة، لكنه كان وحيدًا في مواجهة عشرات الجنود المدربين.
كانت مرام تشاهده وهي تبكي، تدعو الله أن يحميه. في لحظة ضعف، بينما كان شهاب يتصدى لهجوم من الأمام، انقض عليه جندي من الخلف، وطعنه بخنجر في ظهره. سقط شهاب على الأرض، صرخ بمرارة.
ركضت مرام إليه، سقطت على ركبتيها بجانبه. أمسكت بوجهه بين يديها، بينما كانت الدماء تنزف من جرحه. حاول شهاب أن يبتسم، لكن الألم كان أقوى.
“مرام…” همس بصوت خافت، وعيناه بدأت تبهت. “أحبك… لا تستسلمي…”
وبكلماته الأخيرة، فارق شهاب الحياة بين ذراعي حبيبته. تحولت عينا مرام إلى جمر من الحزن والغضب. احتضنت جسده الهامد، وصاحت صرخة ملأت الغابة، صرخة حملت كل آلام العالم.

وقف الجنود صامتين، يرتجفون من هول المشهد. لم يتوقعوا أن الأميرة ستشهد موت حبيبها بهذا الشكل المأساوي. نهضت مرام ببطء، وعيناها تحملان نظرة جامدة، وكأنها فقدت كل شعور. نظرت إلى الجنود بعينين فارغتين، لا ترهبهما.
“لقد قضيتم على كل شيء…” همست بصوت أجش، وكأنها لا تتحدث عن نفسها. “لقد دمرتم الحب… والحرية…”
بدأ وهج خافت يحيط بمرام، تمامًا كالوهج الذي رأته في الرؤيا الأولى. لم يكن وهجًا دافئًا هذه المرة، بل كان باردًا، كضوء القمر في ليلة شتاء قارس. زادت قوة الوهج، وبدأت مرام تتلاشى تدريجيًا. لم يكن اختفاءها سعيدًا كالمتخيل، بل كان اختفاءً ناتجًا عن حزن عميق ويأس لا يطاق.
حاول الجنود الإمساك بها، لكن أيديهم اخترقت جسدها الشفاف. اختفت مرام بالكامل، لم يتبق منها سوى خصلة ش

الإعلانات

مقالات في نفس السياق

مقالات للكاتب